نشر يوم الخميس، 20 يونيو 2013
نشر بواسطة جى إس إم إيجيبت
الشعر والسياسة وأدونيس..! | إبراهيم الوافي
الشعر والسياسة وأدونيس..!
في كل العصور والتواريخ لاتحتفل السياسة بالأخلاق ولا بالإنسانية ولا حتى بالدين.. كانت دائماً توجّه الرؤى وتفرض الغد قبل أن تفترضه.. تصنع ما تشاء حتى في تسخير الأرواح لها اعتناقاً وامتثالًا.. ولأن الشعر في تجلّياته شكّل في أكثر من مرّة قوّةً إعلامية ودعائية للتيارات السياسية جاءت مداهنته لها حذرة ومكشوفة، فشعر المديح على سبيل المثال لايحظى في الذائقة الإنسانية بما يحظى به شعر الرثاء.. لأن الرثاء موقف خالص للشاعر في أكثر الأحيان في حين أن المديح موقف سياسي موجّه وهكذا..
التاريخ كشف لنا أكثر من مرة سوأة هذا التوظيف السياسي للشعر في صورة تبدو مثيرة في بعض الأحيان حيث ينتصر الشعر على السياسة في مشهدٍ قلّ أن تمر به تلك السياسة.. فالتاريخ لايحتفل مطلقاً بمديح المتنبي لكافور الإخشيدي في حين أن هجاءه فيه ذاع في الأسماع وأصبح أكثر ملامح المتنبي حضورًا في الذائقة العربية، على الرغم من أنه قام على العنصرية المقيتة التي ترفضها الإنسانية ولو على مستوى التنظير، والتاريخ كذلك لايحتفل كثيرًا بمدح نزار قباني ل جمال عبدالناصر كما احتفل بالكم الهائل من شتائمه للسياسات العربية والانكسارات المتتالية التي كان ل عبدالناصر دور فيها بلاشك ولو على مستوى بيع الأوهام في أحسن الظن..
هكذا تمامًا يبدو الشعر الوحيد الذي حاول ويحاول مقاومة السياسة ولو على مستوى المستقبل حين يدرك أن القصيدة تحياً طويلًا بعد زمنها ولايعني قمعها الموت لها كما هو الحال لكثير من الحركات الفكرية المقاومة التي تبتلعها السياسة غالبا إما عن طريق الاستيلاء عليها وتوجيهها آخر الأمر أو حتى قمعها والقضاء على رموزها وفي كلٍّ مصادرة لأحلامها وتطلّعاتها..
وأنا هنا لا أنزل الشعر منزلةً أكبر من منزلته لكنني في ظل هذا الثورات العربية المتناثرة هنا وهناك أتساءل عن موقفه وحضوره في السياسة معها أو متمرّدًا عليها، حينما يحضر في الذوق العام صامدًا في زمن الترفيه والصورة، ولعل فوز شاعر موهوب بجائزة برنامج المواهب العربي الشهير (Ara Got Talent ( في نسخته الماضية يكشف لنا بوضوح حضور الشعر في الذائقة وتأثيره فيها لاسيما والفائز اعتمد في شعره على صوت الثورة المصرية وتجلياتها ومن هنا تحديدًا لا يمكنني في أي حالٍ أن أتفهّم هذا الغموض أو التردّد الذي يكتنف موقف شاعرٍ عربي كبير كأدونيس مثلاً من الواقع السوري الذي أوصلته السياسة إلى واقع إنساني مرعب جدا على مستوى التعايش حتى وصل به الأمر إلى صورٍ وحكايا بشعة يتناقلها الناس هناك عن أثر السياسة في خلق طائفية لا إنسانية وصل بها الأمر إلى الاعتقاد بأن الوضوء من دم الطائفة الأخرى يدخل الجنة...!
أدونيس غائب عن المشهد الآن أو أنه يكرّر رؤياه القديمة حول العلمانية (كما هو الحال في حواره مع قناة ( فرانس 24) في فبراير الماضي وبدأ مشخّصاً فقط ومتردّدا دون أن يؤطّر موقفه وهو المعني به على مستوى التأثير والحضور، فهل سيغيّبه التاريخ فيه؟!








.jpg)